المطلب التاسع : قطع الأرحام وسوء الجوار وظهور الفساد
من علامات الساعة التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم قطيعة الرحم وسوء الجوار وظهور الفساد والفحش ، ومن الأحاديث الدالة على ذلك : ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش وقطيعة الرحم وسوء المجاورة » (1) .
وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فنرى الفساد ظاهرا بين الناس كما نرى التقاطع وسوء الجوار حاصلا بينهم ، وحل التباغض والتنافر بينهم محل المحبة والصلة والمودة ، حتى إن الجار لا يعرف جاره ، والقريب لا يعرف عن بعض أرحامه هل هم من الأموات أم من الأحياء ، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل .
وقد جاءت الأدلة في الكتاب والسنة بالتحذير من قطيعة الرحم ، وبينت أنها سبب للعنة والحرمان من دخول الجنة ، قال الله تعالى :
{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }{ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } (2) .
_________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ( 10 / 26 - 31 ) وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ( 1 / 75 ) وقال : هذا حديث صحيح .
(2) سورة محمد ، الآيتان : 22 - 23 .
(1/86)
________________________________________
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يدخل الجنة قاطع رحم » (1) .
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على صلة الرحم ، وبين أنها سبب لطول العمر وكثرة الرزق ورضا الله سبحانه وتعالى كما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سره أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه » (2) .
كما دلت الأدلة في الكتاب والسنة على وجوب الإحسان إلى الجيران وإكرامهم وعدم إيذائهم ، قال الله تعالى : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ } (3) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره » (4) .
وقال صلى الله عليه وسلم : « ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه » (5) .
وعن أبي شريح قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قيل : من يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه » (6) .
_________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الأدب ( 7 / 72 ) . ومسلم في صحيحه : كتاب البر والصلة ( 4 / 1981 ) .
(2) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الأدب ( 7 / 72 ) ، ومسلم في صحيحه : كتاب البر والصلة ( 4 / 1982 ) .
(3) سورة النساء ، الآية : 36 .
(4) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الأدب : ( 7 / 78 ) .
(5) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الأدب : ( 7 / 78 ) .
(6) المصدر السابق .
(1/87)
________________________________________
المطلب العاشر : كثرة الزلازل وظهور الخسف والقذف والمسخ الذي يعاقب الله به بعض هذه الأمة
من علامات الساعة وأماراتها التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم : كثرة الزلازل ، وظهور الخسف ، والقذف ، والمسخ ، وقد دل على هذا الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل . . . » (1) .
يقول الحافظ ابن حجر : " وقد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثير من الزلازل ، ولكن الذي يظهر أن المراد بكثرتها شمولها ودوامها " (2) .
وقد كثرت الزلازل في عصرنا الحاضر في أماكن متعددة ، وهذا مصداق لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « يكون في آخر هذه الأمة خسف (3) ومسخ (4) وقذف (5) " قالت : قلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : " نعم ، إذا ظهر الخبث » (6) .
_________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الاستسقاء ( 2 / 22 ) .
(2) فتح الباري : ( 13 / 87 ) .
(3) الخسف : هو سؤوخ الأرض بما عليها ، يقال : خسف الله به الأرض خسفا أي غاب به فيها ، ومنه قوله تعالى : فخسفنا به وبداره الأرض سورة القصص ، الآية : 81 . لسان العرب : ( 9 / 67 ) .
(4) المسخ : هو تحويل صورة إلى صورة أقبح منها ، وقد اختلف في المراد من هذه الكلمة الواردة في الأحاديث ، قال الحافظ ابن حجر : قال ابن العربي : يحتمل على الحقيقة كما وقع للأمم السالفة ، ويحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم ، قلت : والأول أليق بالسياق . فتح الباري : ( 10 / 56 ) ، وانظر لسان العرب ( 3 / 55 ) .
(5) القذف : هو الرمي بالسهم والحصى والكلام وكل شيء . لسان العرب ( 9 / 277 ) .
(6) أخرجه الترمذي : كتاب الفتن - باب ما جاء في الخسف - ( 4 / 479 ) وقال : هذا حديث غريب ، والحديث صححه الألباني . صحيح الجامع : ( 2 / 1355 ) .
(1/88)
________________________________________
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف " فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله ، ومتى ذلك ؟ قال : " إذا ظهرت المعازف وكثرت القيان وشربت الخمور » (1) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا اتخذ الفيء دولا ، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وتعلم لغير الدين ، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه ، وأدنى صديقه وأقصى أباه ، وظهرت الأصوات في المساجد ، وساد القبيلة فاسقهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وظهرت القينات والمعازف ، وشربت الخمور ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع » (2) .
_________
(1) أخرجه الترمذي في سننه : كتاب الفتن ( 4 / 495 ) .
(2) أخرجه الترمذي : كتاب الفتن ( 4 / 495 ) وقال : هذا حديث غريب .
(1/89)
________________________________________
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم : أن وقوع الخسف والمسخ والقذف في الزنادقة وأهل القدر ، فعن نافع قال : « بينما نحن عند عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قعودا إذ جاء رجل ، فقال : إن فلانا يقرأ عليك السلام - لرجل من أهل الشام - فقال عبد الله : بلغني أنه أحدث حدثا ، فإن كان كذلك فلا تقرأن عليه مني السلام ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنه سيكون في أمتي مسخ وقذف وهو في الزنديقية والقدرية » (1) .
فهذه الأحاديث السابقة التي فيها ذكر الخسف والقذف والمسخ فيها وعيد شديد للعصاة من أهل المعازف وشاربي الخمور بأن يعاقبهم الله تعالى بهذه العقوبات أو ببعضها على عصيانهم وتمردهم ، وهي في نفس الوقت من أمارات الساعة التي كلما يقترب وقوعها يزداد ظهور المعاصي والذنوب ؛ لأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق والله أعلم .
_________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 9 / 73 ) وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح .