المسألة الرابعة : مكان خروج المهدي وزمانه ومدة مكثه في الأرض
ليست هناك روايات صحيحة صريحة تدل على مكان خروجه ، أو الزمن الذي يخرج فيه ، ولكن استأنس أهل العلم في بيان ذلك من مفهوم بعض الروايات وإن لم تكن قطعية .
فعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يقتتل عند كنزكم ثلاثة ، كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم " . ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال : " فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي » (1) .
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الإيمان ( 2 / 193 ) .
(1/97)
________________________________________
قال ابن كثير - رحمه الله - : والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة ، يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء ، حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي ، ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامرا ، كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان ، فإن هذا نوع من الهذيان ، وقسط كبير من الخذلان ، شديد من الشيطان ؛ إذ لا دليل على ذلك ، ولا برهان لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان ، إلى أن قال : " ويؤيده بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه ، وتكون راياتهم سودا أيضا ، وهو زي عليه الوقار ؛ لأن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء يقال له العقاب " إلى أن قال : " والمقصود : أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق ، ويبايع له عند البيت كما دل على ذلك نص الأحاديث " (1) .
_________
(1) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 55 ، 56 ) .
(1/98)
________________________________________
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة » (1) .
وهناك رواية أوردها ابن القيم - رحمه الله - في المنار المنيف حدد فيها اسم الأمير الذي يصلي إماما وأنه المهدي بلفظ : « فيقول أميرهم المهدي : تعال صلّ بنا » . . . إلى آخر الحديث . ثم قال ابن القيم - رحمه الله - بعد أن أورد الحديث : وهذا إسناد جيد (2) .
وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض (3) خسف بهم ، فقلت : يا رسول الله ، فكيف بمن كان كارها ؟ قال : يخسف به معهم ، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته » (4) .
وعن حفصة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « سيعوذ بهذا البيت - يعني الكعبة - قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة ، يبعث إليهم جيش ، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم » (5) .
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الإيمان ( 2 / 193 ) .
(2) المنار المنيف ص ( 148 ) .
(3) يقول النووي - رحمه الله - قال العلماء : البيداء كل أرض ملساء لا شيء بها ، وبيداء المدينة : الشرف الذي قدام ذي الحليفة أي إلى جهة مكة . شرح صحيح مسلم للنووي ( 18 / 5 ) .
(4) أخرجه مسلم في صحيحه . كتاب الفتن : ( 4 / 2209 ) .
(5) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الفتن : ( 4 / 2210 ) .
(1/99)
________________________________________
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : « عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه ، فقلنا : يا رسول الله ، صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله ؟ فقال : " العجب أن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش ، قد لجأ بالبيت ، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم " ، فقلنا : يا رسول الله ، إن الطريق قد تجمع الناس ، فقال : " نعم ، فيهم المستبصر (1) ، والمجبور (2) ، وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ، ويصدرون مصادر شتى (3) ، يبعثهم الله عز وجل على نياتهم » (4) .
ففي هذه الروايات الثلاث عن أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - جميعا ، إشارة صريحة للعائذ بالبيت وأنه من قريش ، وأنه يؤيد بنصر الله ، فيهلك الله أعداءه بالخسف .
وقد ورد أيضا في الأحاديث الصحيحة ذكر خليفة يكثر الخير في زمانه حتى إنه يحثو المال حثوا ولا يعده عددا ويعطيه للناس بدون عدد ، ولكن الروايات هنا أيضا لم تحدد اسم هذا الخليفة .
فعن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده » .
وفي رواية : « يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثوا » (5) .
_________
(1) ( المستبصر ) : المستبين للشيء ، القاصد له عمدا ، يعني أنهم كانوا على بصيرة من ضلالتهم : النهاية في غريب الحديث ( 1 / 132 ) .
(2) ( المجبور ) : أي المكره على الخروج دون إرادته . النهاية في غريب الحديث ( 1 / 236 ) .
(3) ( مصادر شتى ) : أي يهلكون جميعهم ، ولكن مصادرهم عن الهلكة متفرقة ، فمنهم إلى الجنة ، ومنهم إلى النار على قدر أعمالهم ونياتهم : النهاية في غريب الحديث ( 4 / 15 ) .
(4) أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الفتن ( 4 / 2210 ) .
(5) أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الفتن ( 4 / 2234 ، 2235 ) .
(1/100)
________________________________________
وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج من بني هاشم فيأتي مكة فيستخرجه الناس من بيته بين الركن والمقام ، فيجهز إليه رجل من قريش ، أخواله من كلب ، فيجهز إليه جيش فيهزمهم الله ، فتكون الدائرة عليهم ، فذلك يوم كلب ، الخائب من خاب من غنيمة كلب ، فيستفتح الكنوز ويقسم الأموال ، ويلقي الإسلام بجرانه (1) إلى الأرض ، فيعيشون بذلك سبع سنين أو قال : تسعا » (2) .
وفي رواية أبي داود : " . . . « فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ، ويبعث إليه بعث من الشام » . . . " (3) الحديث .
_________
(1) ( بجرانه ) الجران : باطن العنق ، والمعنى : أن الإسلام قد قر قراره واستقام وطبقت أحكامه . لسان العرب ( 13 / 86 ) .
(2) أخرجه الطبراني في الأوسط ( 2 / 35 ) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ( 7 / 318 ) : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح .
(3) أخرجه أبو داود : كتاب المهدي ( 4 / 475 ) .
(1/101)
________________________________________
ومن مجمل الروايات السابقة يتبين لنا أن المهدي رجل صالح يخرج في آخر الزمان ، ويأوي إلى مكة هاربا من المدينة ، فيبايع بين الركن والمقام عند الكعبة المشرفة ، فيبعث إليه جيش لقتله فيخسف بهم ، وينصره الله ويؤيده فيحكم بالإسلام ، وينشر العدل بين الناس ، ويعم الرخاء والنعمة بزمانه ، ويلتقي مع نبي الله عيسى عليه السلام فيؤم الأمة وعيسى عليه السلام يصلي خلفه ، ويخرج معه ويساعده على قتل الدجال ، ويعيش سبعا أو تسع سنين ، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون .