المطلب الثامن : الخسوفات الثلاثة
من العلامات الكبرى التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بحدوثها في آخر الزمان الخسوفات الثلاثة ، وقد دلت على هذا حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه - وقد سبق ذكره - وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ، وذكر منها ثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب » (1) .
ومنها حديث أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول : « سيكون بعدي خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب " ، قلت : يا رسول الله أيخسف بالأرض وفيها الصالحون ؟ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أكثر أهلها الخبث » (2) .
فهذه الخسوفات الثلاثة من الأشراط الكبرى التي لا تظهر إلا في آخر الزمان ، وهي غير الخسوفات التي وقعت في الماضي وفي أماكن متعددة ؛ لأن هذه من أشراط الساعة الصغرى ، أما هذه الخسوفات الثلاثة فهي خسوفات عظيمة .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : " وقد وجد الخسف في مواضع ، ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد ، كأن يكون أعظم منه مكانا أو قدرا " (3) .
_________
(1) تقدم تخريجه ص 148 .
(2) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ( 4 / 74 ) وقال الهيثمي في المجمع ( 8 / 11 ) : رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه حكيم بن نافع ، وثقه ابن معين وضعفه غيره ، وبقية رجاله ثقات .
(3) فتح الباري ( 13 / 84 ) .
(1/221)
________________________________________
المطلب التاسع : النار التي تحشر الناس
آخر الآيات الكبرى والعلامات العظمى لأشراط الساعة وأول الآيات المؤذنة بقيام القيامة خروج نار تحشر الناس إلى محشرهم ، والكلام عليها في عدة مسائل :
المسألة الأولى : الأدلة على خروجها
جاءت الروايات بأن خروج هذه النار يكون من اليمن من قعرة عدن ، وجاءت روايات أخرى بأنها تخرج من بحر حضرموت ، ومن الأحاديث التي تبين ذلك :
1 - حديث حذيفة بن أسيد في ذكر أشراط الساعة وآخره قوله صلى الله عليه وسلم : « وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم » ، وفي رواية : « نار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس » (1) .
2 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ستخرج نار من حضرموت أو من بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس » (2) .
3 - حديث أنس رضي الله عنه : « أن عبد الله بن سلام لما أسلم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مسائل ومنها : ما أول أشراط الساعة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب » (3) .
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الفتن وأشراط الساعة ( 4 / 2225 ، 2226 ) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 7 / 133 ) برقم ( 5146 ) بتحقيق أحمد شاكر ، وقال عنه : إسناده صحيح . والترمذي : كتاب الفتن ( 4 / 431 ) ، وقال : هذا حديث حسن غريب صحيح ، وقد صححه الألباني . انظر : صحيح الجامع ( 3 / 203 ) .
(3) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب أحاديث الأنبياء ( 6 / 417 - 418 ) .
(1/222)
________________________________________
المسألة الثانية : الجمع بين الأحاديث الواردة في مكانها
الجمع بين ما جاء أن هذه النار هي آخر أشراط الساعة الكبرى وما جاء أنها أول أشراطها بأن يقال : إن آخريتها باعتبار ما ذكر معها من الآيات الواردة معها في حديث حذيفة ، وأوليتها باعتبار أنها أول الآيات التي لا شيء بعدها من أمور الدنيا أصلا ، بل يقع بانتهاء هذه الآيات النفخ في الصور بخلاف ما ذكر معها من الآيات الواردة في حديث حذيفة ، فإنه يبقى بعد كل آية منها أشياء من أمور الدنيا (1) .
أما ما جاء في بعض الروايات بأن خروجها يكون من اليمن ، وفي بعضها الآخر أنها تحشر الناس من المشرق إلى المغرب فيجاب عن ذلك بأجوبة :
1 - أنه يمكن الجمع بين هذه الروايات بأن كون النار تخرج من قعر عدن لا ينافي حشرها الناس من المشرق إلى المغرب ، وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها ، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم : « تحشر الناس من المشرق إلى المغرب » إرادة تعميم الحشر لا خصوص المشرق والمغرب .
_________
(1) انظر : فتح الباري ( 13 / 86 ) .
(1/223)
________________________________________
2 - أن النار عندما تنتشر يكون حشرها لأهل المشرق أولا ، ويؤيد ذلك أن ابتداء الفتن دائما من المشرق ، وأما جعل الغاية المغرب فلأن الشام بالنسبة إلى أهل المشرق مغرب .
3 - يحتمل أن تكون النار المذكورة في حديث أنس كناية عن الفتن المنتشرة التي أثارت الشر العظيم والتهبت كما تلتهب النار ، وكان ابتداؤها من قبل المشرق حتى خرب معظمه وانحشر الناس من جهة المشرق إلى الشام ومصر وهما من جهة الغرب ، كما شوهد ذلك مرارا في عهد التتر والمغول وغيرهم ، وأما النار التي في حديثي حذيفة بن أسيد وابن عمر فهي نار حقيقية ، والله أعلم (1) .
_________
(1) انظر : فتح الباري ( 13 / 86 ) .
(1/224)
________________________________________
المسألة الثالثة : مكان الحشر
المكان الذي يكون الحشر إليه في آخر الزمان هو الشام كما صحت بذلك الأحاديث الكثيرة منها :
1 - حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إنكم محشورون رجالا وركبانا ، وتجرون على وجوهكم ها هنا ، وأومأ بيده إلى الشام » (1) .
2 - حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الشام أرض المحشر والمنشر » (2) إلى غير ذلك من الأحاديث .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : " وفي تفسير ابن عيينة عن ابن عباس رضي الله عنهما : « من شك أن المحشر ههنا ، يعني الشام ، فليقرأ أول سورة الحشر ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يومئذ اخرجوا " ، قالوا : إلى أين ؟ قال : " إلى أرض المحشر » (3) .
والسبب في كون الشام هي أرض المحشر أن الأمن والإيمان حين تقع الفتن في آخر الزمان يكون بالشام ، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للشام بالبركة فقال : « اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا » (4) .
_________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 5 / 3 ) ، والترمذي في كتاب صفة القيامة ( 4 / 532 ) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 6 / 463 ) ، وابن ماجه : كتاب إقامة الصلاة ( 1 / 450 ) ، وأخرجه الربعي في فضائل الشام ( 4 ) ، وصححه الألباني في تخريجه له .
(3) فتح الباري ( 11 / 380 ) ، وانظر تفسير ابن كثير ( 4 / 330 ) .
(4) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الفتن : ( 8 / 95 ) .
(1/225)
________________________________________
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضائل الشام والترغيب في سكنها لا مجال لذكرها هنا (1) ، وقد تقدم أن نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان يكون بالشام وبه يكون اجتماع المؤمنين لقتال الدجال ، وهناك يقتله المسيح عليه السلام بباب لد ، هذا بالإضافة إلى أن أرض الشام مهبط الأنبياء ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
_________
(1) للحافظ الربعي كتاب قيم بهذا الشأن سماه ( فصائل الشام ) جمع فيه الأحاديث الواردة في فضل الشام ، وقد شرحه العلامة القاسمي ، وطبع بتحقيق وتخريج العلامة الشيخ الألباني بالمكتب الإسلامي فليراجع .