3 - القضاء على كل الشرائع والحكم بالإسلام :
عيسى عليه السلام عندما ينزل من السماء يكون تابعا لشرع الإسلام ، فيحكم بكتاب الله عز وجل ، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبذلك يقضي على كل الشرائع التي تحكم الناس سوى الإسلام ، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة ، فإن شريعة الإسلام ناسخة للشرائع قبلها ، وقد أخذ الله العهد والميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويتابعوه إذا بعث وهم أحياء ، قال تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } (1) .
_________
(1) سورة آل عمران ، آية : 81 .
(1/167)
________________________________________
ومن أجل هذا فهو يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يقبل من أحد إلا الإسلام ، أو القتل . يقول القرطبي - رحمه الله - : " ذهب قوم إلى أنه بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم ، وهذا أمر مردود بالأخبار التي ذكرناها . . . وبقوله تعالى : { وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } (1) ، وقوله عليه الصلاة والسلام : « لا نبي بعدي » (2) وقوله صلى الله عليه وسلم : « أنا العاقب » (3) . يريد آخر الأنبياء وخاتمهم ، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبيا بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا صلى الله عليه وسلم ، بل إذا أنزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لعمر : « لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي » (4) . فعيسى عليه السلام إنما ينزل مقررا لهذه الشريعة مجددا لها ؛ إذ هي آخر الشرائع ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل (5) .
_________
(1) سورة الأحزاب ، آية : 40 .
(2) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الفضائل ( 4 / 104 ) .
(3) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب المناقب ( 4 / 162 ) .
(4) أخرجه الأمام أحمد في مسنده ( 3 / 387 ) وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 13 / 334 ) رجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفا .
(5) التذكرة للقرطبي ( 2 / 792 ) .
(1/168)
________________________________________
4 - رفع الشحناء والتباغض من بين الناس ، وانتشار الأمن والرخاء بين الخلق .
من الأمور التي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تحدث في زمن عيسى عليه السلام : أن الشحناء والتباغض والتحاسد ترفع من بين الناس حيث تجتمع كلمة الجميع على الإسلام ، وتعم البركة ، وتكثر الخيرات ، حيث تنبت الأرض نبتها ، ولا يرغب في اقتناء المال لكثرته ، وينزع الله في ذلك الوقت سم كل ذي سم حتى يلعب الأولاد بالحيات والعقارب فلا تضرهم ، وترعى الشاة مع الذئب فلا يضرها ، فتملأ الأرض أمنا وسلما ، وينعدم القتال بين البشر فترخص الخيل لعدم القتال ، وترتفع أسعار الثور ؛ لأن الأرض تحرث كلها .
ففي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « . . . ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ، ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك ، وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ، ويستظلون بقحفها ، ويبارك في الرِسْل (1) حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس . . . » الحديث (2) .
_________
(1) الرسل : بكسر الراء وإسكان السين هو اللبن ، انظر : شرح صحيح مسلم للنووي ( 18 / 69 ) ، النهاية في غريب الحديث ( 3 / 412 ) .
(2) تقدم تخريجه ص 97 .
(1/169)
________________________________________
ومن حديث أبي أمامة الطويل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « . . . فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكما عدلا ، وإماما مقسطا يدق الصليب ، ويذبح الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة ، فلا يسعى على شاة ولا بعير ، وترفع الشحناء والتباغض ، وتنزع حمة كل ذات حمة ، حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره ، وتضر الوليدة الأسد فلا يضرها ، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها ، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء ، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله ، وتضع الحرب أوزارها ، وتسلب قريش ملكها ، وتكون الأرض كفاثور (1) الفضة ، تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم ، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم ، ويكون الثور بكذا وكذا من المال ، ويكون الفرس بالدريهمات ، . . . » (2) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « والله لينزلن عيسى ابن مريم حكما عادلا . . . وليضعن الجزية ولتتركن القلاص (3) ، فلا يسعى عليها ، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد ، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد » (4) .
_________
(1) الفاثور : الخوان ، وقيل : هو طست أو جام من فضة أو ذهب ، النهاية في غريب الحديث ( 3 / 412 ) .
(2) تقدم تخريجه ص 123 .
(3) القلاص : بكسر القاف جمع قلوص ، بفتح القاف ، وهي الناقة الشابة . النهاية في غريب الحديث ( 4 / 100 ) .
(4) تقدم تخريجه ص 113 .
(1/170)
________________________________________
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - : ومعناه أن يزهد الناس فيها ، ولا يرغب في اقتنائها لكثرة الأموال وقلة الآمال وعدم الحاجة والعلم بقرب القيامة ، وإنما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل التي هي أنفس الأموال عند العرب وهي شبيهة بمعنى قول الله عز وجل : { وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } (1) . ومعنى لا يسعى عليها : لا يعتني بها (2) .
_________
(1) سورة التكوير، آية : 4 .
(2) شرح صحيح مسلم للنووي ( 2 / 192 ) .
(1/171)
________________________________________
المسألة السابعة : موت عيسى عليه السلام ودفنه
لم يرد عن الشارع نص يبين لنا مكان موت عيسى عليه السلام ، ولكن ذكر بعض العلماء أنه يموت عليه السلام في المدينة النبوية ، وقيل إنه يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما .
قال القرطبي - رحمه الله - : " واختلف حيث يدفن فقيل : بالأرض المقدسة ذكره الحليمي ، وقيل : يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرناه من الأخبار" (1) .
_________
(1) التذكرة ( 2 / 794 ) ، وانظر لوامع الأنوار البهية ( 2 / 113 ) .