المطلب الرابع : خروج يأجوج ومأجوج
من علامات الساعة الكبرى التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم خروج يأجوج ومأجوج ، والكلام على هذه العلامة يتضمن المسائل التالية :
المسألة الأولى : أصل يأجوج ومأجوج ونسبهم
اختلف في اشتقاق الكلمتين :
فقيل : هما اسمان أعجميان منعا من الصرف للعلمية والعجمة ، وعلى هذا فليس لهما اشتقاق ؛ لأن الأعجمية لا تشتق من العربية .
وقيل : بل هما عربيان ، واختلف في اشتقاقهما ، فقيل : من أجيج النار وهو التهابها ، وقيل : من الأجاج وهو الماء الشديد الملوحة ، وقيل : من الأج وهو سرعة العدو ، وقيل : من الأجة بالتشديد وهي الاختلاط والاضطراب .
وعند جمهور القراء : ياجوج وماجوج بدون همز ، وأما قراءة عاصم فهي بالهمزة الساكنة فيهما (1) .
والخلاصة من هذا : أن جميع ما ذكر في اشتقاقهما مناسب لحالهم ، ويؤيد الاشتقاق من ماج قوله تعالى : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } (2) . وذلك حين يخرجون من السد (3) .
وقد اختلف في نسبهم ، فقيل : إنهم من ذرية آدم .
_________
(1) انظر : لسان العرب ( 2 / 207 ) ، التذكرة للقرطبي ص ( 815 ) ، فتح الباري لابن حجر ( 13 / 106 ) ، لوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 2 / 113 ) .
(2) سورة الكهف ، الآية : 99 .
(3) الإشاعة لأشراط الساعة للبرزنجي ص324 .
(1/173)
________________________________________
والذي رجحه الحافظ ابن حجر - رحمه الله - أنهم قبيلتان من ولد يافث بن نوح (1) . فهما من ولد آدم وحواء ، ويؤيد ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : « يقول الله عز وجل يوم القيامة : يا آدم ، يقول : لبيك ربنا وسعديك ، فينادى بصوت : إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار ، قال : يا رب ، وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف ( أراه قال ) تسعمائة وتسعة وتسعين ، فحينئذ تضع الحامل حملها ، ويشيب الوليد ، { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } (2) . فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد . . . » الحديث (3) .
_________
(1) فتح الباري لابن حجر ( 13 / 106 ) .
(2) سورة الحج ، الآية : 2.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الرقائق ( 7 / 196 ) ، ومسلم في صحيحه : كتاب الإيمان ( 1 / 201 ) .
(1/174)
________________________________________
المسألة الثانية : الأدلة على خروجهم من القرآن والسنة
ورد ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا }{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا }{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا }{ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا }{ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا }{ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا } (1) .
_________
(1) سورة الكهف ، الآيات 93 - 98 .
(1/175)
________________________________________
وقوله تعالى : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ }{ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } (1) .
فدلالة الآيتين على كون خروجهم من أشراط الساعة : أن فيهما التصريح بأنه إذا فتحت يأجوج ومأجوج فإن ذلك دليل على اقتراب الوعد الحق والمراد به يوم القيامة (2) .
فقوله تعالى : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } حتى " فيه متعلقة بما قبل الآية ، أي كل قرية أهلكت تبقى في الهلاك حتى قيام الساعة ، أو تبقى في عدم الرجعة إلى الدنيا ، أو إلى التوبة حتى قيام الساعة ، وهذه الأقوال مُفرعة على معنى الآية السابقة (3) وهي قوله تعالى : { وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } (4) .
_________
(1) سورة الأنبياء ، الآيتان : 96 ، 97 .
(2) انظر : تفسير ابن كثير ( 3 / 187 ) .
(3) انظر : تفسير أبي السعود ( 3 / 535 ) وتفسير الألوسي ( 17 / 92 ) .
(4) سورة الأنبياء ، آية : 95 .
(1/176)
________________________________________
وقيل : إن "حتى" متعلقة بقوله تعالى : { وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } (1) أي استمر الخلاف بين الأمم حتى قيام الساعة (2) ، وقوله تعالى : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } ، المراد إذا فتح الردم عن هاتين القبيلتين العظيمتين وتمكنوا من الخروج ، فيخرجون من كل حدب وهو المرتفع من الأرض (3) يسرعون في المشي إلى الفساد .
وأما الأدلة من السنة على خروجهم فهي كثيرة :
منها : حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها ، عن زينب بنت جحش رضي الله عنها : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوما فزعا يقول : " لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " ، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها ، قالت زينب بنت جحش : فقلت يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : " نعم ، إذا كثر الخبث » (4) .
_________
(1) سورة الأنبياء ، آية : 93.
(2) انظر : البحر المحيط ( 6 / 339 ) وقد نسب القول به إلى ابن عطية ، وانظر أيضا تفسير الألوسي ( 17 / 92 ) .
(3) انظر : تفسير الطبري : ( 17 / 72 - 73 ) ، والقرطبي ( 11 / 341 ) ، وانظر المفردات للراغب ص110 ، وتفسير ابن كثير ( 3 / 187 ) .
(4) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الأنبياء ( 6 / 381 ) وكتاب الفتن ( 13 / 106 ) ، ومسلم في صحيحه : كتاب الفتن وأشراط الساعة ( 4 / 2207 ) .
(1/177)
________________________________________
ومنها : حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه الذي تقدم ذكره كثيرا ، وفيه : « إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب إلى الله عيسى وأصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله » (1) وفي رواية بعد قوله " لقد كان بهذه مرة ماء " : « ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخَمَر (2) ، وهو جبل ببيت المقدس فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما » (3) .
ومنها حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه في ذكر أشراط الساعة فذكر منها : يأجوخ ومأجوج (4) .
_________
(1) تقدم تخريجه ص 97 .
(2) جبل الخمر : الخمر بخاء معجمة وميم مفتوحتين ، والخمر : الشجر الملتف الذي يستر من فيه ، وقد جاء تفسيره في الحديث بأنه جبل بيت المقدس . انظر : شرح مسلم للنووي ( 18 / 71 ) .
(3) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الفتن وأشراط الساعة ( 4 / 2250 ) .
(4) المصدر السابق ( 4 / 2226 ) .
(1/178)
________________________________________
ومنها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : « لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى - عليهم السلام - فتذاكروا الساعة إلى أن قال : فردوا الحديث إلى عيسى ، فذكر قتل الدجال ثم قال : ثم يرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون لا يمرون بماء إلا شربوه ولا بشيء إلا أفسدوه . يجأرون إلي فأدعو الله فيميتهم فتجوى الأرض من ريحهم ، فيجأرون إلي فأدعو الله فيرسل السماء بالماء فيحملهم فيقذف بأجسامهم في البحر » (1) .
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث وفيه : « ويخرجون على الناس فيستقون المياه ويفر الناس منهم فيرمون سهامهم في السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون : قهرنا أهل الأرض وغلبنا من في السماء قوة وعلوا ، قال : فيبعث الله عز وجل عليهم نغفا في أقفائهم ، قال : فيهلكهم ، والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا (2) وتسكر سكرا (3) من لحومهم » (4) .
إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على خروجهم وأنه يجب الإيمان بها وتصديقها .
_________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك ( 4 / 488 - 489 ) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه وأخرجه الإمام أحمد في المسند ( 4 / 189 - 190 ) تحقيق أحمد شاكر وقال إسناده صحيح .
(2) يقال : شكرت الشاة بالكسر تشكر شكرا بالتحريك إذ سمنت وامتلأ ضرعها لبنا ، والمعنى : أن دواب الأرض تسمن وتمتلئ شحما . النهاية في غريب الحديث ( 2 / 494 ) .
(3) السكر بفتح السين والكاف : الخمر ، ويطلق السكر على الغضب والامتلاء . انظر : النهاية في غريب الحديث ( 2 / 383 ) .
(4) أخرجه الترمذي في سننه : أبواب التفسير ( 8 / 597 - 599 ) وقال : هذا حديث حسن غريب . وخرجه ابن ماجه في سننه : كتاب الفتن ( 2 / 1364 - 1365 ) . وأخرجه الحاكم في المستدرك ( 4 / 488 ) وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .
(1/179)
________________________________________
قال ابن قدامة المقدسي - رحمه الله - : " ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل فيما شاهدناه أو غاب عنا ، نعلم أنه حق وصدق ، وسواء في ذلك ما عقلناه وما جهلناه ، ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث الإسراء والمعراج . . . إلى أن قال : ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله وخروج يأجوج ومأجوج . . . " (1) .
وقال القاضي عياض : " الأحاديث الواردة في يأجوج ومأجوج : هذه الأخبار على حقيقتها يجب الإيمان بها ؛ لأن خروج يأجوج ومأجوج من علامات الساعة ، وقد ورد في خبرهم أنه لا قدرة لأحد على قتالهم من كثرتهم ، وأنهم يحصرون نبي الله عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين الذين نجوا من الدجال ، فيدعو عليهم فيهلكهم الله عز وجل أجمعين بالنغف - وهو دود في رقابهم - فيؤذون الأرض والمؤمنين بنتنهم ، فيدعو عيسى وأصحابه ربهم فيرسل الله طيرا فتحملهم حيث شاء الله " (2) .
وقال السفاريني - رحمه الله - : " إن خروجهم من وراء السد على الناس حق ثابت لوروده في الذكر وثبوته عن سيد البشر ، ولم يحله عقل فوجب اعتقاده " (3) .
_________
(1) لمعة الاعتقاد لابن قدامة ص ( 30 ) .
(2) إكمال المعلم ( 6 / 115 ، 116 ) .
(3) لوامع الأنوار ( 2 / 116 ) .