المسألة الخامسة : تواتر أحاديث المهدي
لقد نص على تواتر الأحاديث في المهدي تواترا معنويا عدد من الأئمة والعلماء :
يقول الحافظ أبو الحسن الآبري (1) : " وقد تواترت الأخبار واستفاضت وكثرت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بخروجه ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملأ الأرض عدلا ، وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد (2) ، بأرض فلسطين ، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه " (3)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم " (4) .
ويقول الحافظ ابن كثير : " فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان ، وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، وليس بالمنتظر الذي تزعم الروافض وترتجي ظهوره من سرداب في سامرا ، فإن ذاك ما لا حقيقة له ولا عين ولا أثر . . . وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه في آخر الدهر ، وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث " (5) .
_________
(1) هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السجستاني الآبري ، المحدث ، الحافظ ، المؤرخ ، صاحب مناقب الإمام الشافعي ، توفي سنة 363 هـ . سير أعلام النبلاء ( 16 / 299 ) ، شذرات الذهب ( 3 / 46 ) .
(2) لد : بالضم والتشديد ، بلدة معروفة في فلسطين ، قريبة من بيت المقدس ، وهي التي ببابها يدرك عيسى عليه السلام الدجال فيقتله . معجم البلدان : ( 5 / 15 ) .
(3) انظر كلامه هذا في تهذيب التهذيب : ( 9 / 144 ) .
(4) منهاج السنة النبوية : ( 4 / 95 ) .
(5) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 49 ) .
(1/103)
________________________________________
ويقول العلامة محمد السفاريني في المهدي : " وقد كثرت بخروجه - أي المهدي - الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة ، حتى عد من معتقداتهم " (1) .
ويقول أيضا : " وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد بمجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب ، كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة " (2) .
ويقول العلامة محمد البرزنجي في كتابه - الإشاعة لأشراط الساعة - : " قد علمت أن أحاديث المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة عليها السلام بلغت حد التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها " (3)
ويقول العلامة محمد صديق خان بن حسن القنوجي (4) في كتابه - الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة - : " الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف روايتها كثيرة جدا تبلغ حد التواتر المعنوي ، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد " (5) .
_________
(1) لوامع الأنوار البهية : ( 2 / 84 ) .
(2) المصدر نفسه .
(3) الإشاعة في أشراط الساعة ( 236 ) .
(4) هو أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن خان القنوجي ، ولد في بريلي ، وتعلم في الهند ، قرأ وكتب كثيرا ، وله مصنفات كثيرة منها : الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ، الروضة الندية في شرح الدرة البهية ، والدين الخالص ، وغيرها ، توفي سنة 1307 هـ . انظر : الأعلام للزركلي : ( 6 / 167 - 168 ) .
(5) الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة : 112 - 113 .
(1/104)
________________________________________
وقال العلامة الشوكاني : " الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا ، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك وشبهة ، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضا ، لها حكم الرفع ؛ إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك " (1) .
وقال العلامة محمد بن جعفر الكتاني (2) : " والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال وفي نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام " (3) .
ويقول العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي : " واعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على إثره ، وأن عيسى عليه السلام ينزل من بعده فيقتل الدجال ، أو ينزل معه فيساعده على قتله ، ويأتم بالمهدي في صلاته .
_________
(1) التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح . ورقة : ( 4 ، 5 ) .
(2) هو أبو عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني الحسني الفاسي ، مؤرخ ومحدث ، ولد في فاس بالمغرب ، ورحل في طلب العلم ، له عدة مصنفات منها : نظم المتناثر من الحديث المتواتر ، توفي سنة 1345 هـ . انظر : الأعلام ( 6 / 72 - 73 ) .
(3) نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 174 .
(1/105)
________________________________________
وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم : أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، والبزار ، والحاكم ، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي ، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل : علي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وطلحة ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي هريرة ، وأنس ، وأبي سعيد الخدري ، وأم حبيبة ، وأم سلمة ، وثوبان ، وقرة بن إياس ، وعلي الهلالي ، وعبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنهم (1) .
ويقول سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ما ملخصه : " أمر المهدي معلوم ، والأحاديث فيه مستفيضة ، بل متواترة متعاضدة ، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها ، وتواترها تواتر معنوي ، لكثرة طرقها ، واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها ، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق ، وهو محمد بن عبد الله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان ، يخرج فيقيم العدل والحق ، ويمنع الظلم والجور ، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلا وهداية وتوفيقا وإرشادا للناس .
_________
(1) عون المعبود شرح سنن أبي داود ( 11 / 361 ) .
(1/106)
________________________________________
وقد اطلعت على كثير من أحاديثه فرأيتها كما قال الشوكاني وغيره ، وكما قال ابن القيم وغيره : فيها الصحيح ، وفيها الحسن ، وفيها الضعيف المنجبر ، وفيها أخبار موضوعة ، ويكفينا من ذلك ما استقام سنده ، سواء كان صحيحا لذاته أو لغيره ، وسواء كان حسنا لذاته أو لغيره ، وهكذا الأحاديث الضعيفة إذا انجبرت وشد بعضها بعضا ، فإنها حجة عند أهل العلم . . . والحق أن جمهور أهل العلم - بل هو كالاتفاق - على ثبوت أمر المهدي ، وأنه حق ، وأنه سيخرج في آخر الزمان ، أما من شذ عن أهل العلم في هذا الباب فلا يلتفت إلى كلامه في ذلك " (1) .
_________
(1) نقلا عن كتاب : الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لفضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن العباد - حفظه الله - ص : ( 157 - 159 ) .
(1/107)
________________________________________
وقد أحصى فضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله - في كتابه القيم عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر عدد الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي فبلغوا ستة وعشرين صحابيا ، كما أحصى عدد الأئمة الذين خرجوا هذه الأحاديث والآثار في كتبهم فبلغوا ستة وثلاثين إماما ، منهم أصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وغيرهم ، كما ذكر بعض من ألف في شأن المهدي ، والذين حكموا على أحاديث المهدي بالتواتر ، كما ذكر بعض العلماء المحققين الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وهم جمع كبير .
وفي الجملة : فهي رسالة جيدة وقيمة في هذا الموضوع يحسن الرجوع إليها وقراءتها لما اشتملت عليه من فوائد عظيمة .