________________________________________
المبحث الثاني : أشراط الساعة الكبرى
وفيه المطالب الآتية :
المطلب الأول : خروج المهدي .
المطلب الثاني : فتنة المسيح الدجال .
المطلب الثالث : نزول عيسى ابن مريم عليه السلام .
المطلب الرابع : خروج يأجوج ومأجوج .
المطلب الخامس : طلوع الشمس من مغربها .
المطلب السادس : خروج الدابة .
المطلب السابع : الدخان الذي يكون في آخر الزمان .
المطلب الثامن : الخسوفات الثلاثة .
المطلب التاسع : النار التي تحشر الناس .
المطلب الأول : خروج المهدي
من علامات الساعة وأماراتها الكبرى ظهور المهدي الذي يخرج في آخر الزمان ، ويلي أمر هذه الأمة ويجدد لها دينها ، وهو رجل يحكم بالإسلام ويملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما ، تنعم الأمة في عهده بالخيرات والنعم التي لم تنعم بمثلها قط ، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - : في زمانه تكون الثمار كثيرة ، والزروع غزيرة ، والمال وافر ، والسلطان قاهر ، والدين قائم ، والعدو راغم ، والخير في أيامه دائم (1) .
وسيكون الكلام عليه في المسائل الآتية :
المسألة الأولى : معنى المهدي
_________
(1) النهاية في الفتن والملاحم ( 1 / 31 ) .
(1/91)
________________________________________
المهدي : لغة اسم مفعول من : هداه هدى وهديا وهداية ، والهدى : هو الرشاد والدلالة ، يقال : هداه الله للدين هدى ، وهديته الطريق ، وإلى الطريق هداية : أي عرفته (1) .
وقال ابن الأثير : المهدي الذي هداه الله إلى الحق ، وقد استعمل في الأسماء حتى صار كالأسماء الغالبة (2) .
وقد وردت هذه الكلمة في أحاديث عديدة ، منها حديث العرباض بن سارية ، وفيه : « وسنة الخلفاء الراشدين المهديين » (3) .
وقال ابن الأثير : " ويريد بالخلفاء المهديين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم أجمعين وإن كان عاما في كل من سار سيرتهم " (4) .
والمراد بالمهدي هنا : هو الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجيء في آخر الزمان ، ويؤيد الدين ويظهر العدل ، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويكون من أهل بيته صلى الله عليه وسلم ، ويخرج في زمنه عيسى عليه السلام ، والدجال .
وقد وردت في شأن المهدي أحاديث كثيرة ما بين صحاح وحسان وضعاف تنجبر وضعاف شديدة الضعف (5) .
وهذه الأحاديث توضح وتخبر عن خروجه في الناس ، وذلك بعد ما يعم الأرض الظلم والفساد والطغيان ؛ فيأتي ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت جورا وظلما .
_________
(1) انظر : النهاية في غريب الحديث : ( 5 / 254 ) ، ولسان العرب ( 15 / 353 ، 354 ) .
(2) النهاية في غريب الحديث ( 5 / 254 ) .
(3) جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده ( 4 / 126 ) ، وأبو داود في سننه : كتاب السنة ( 5 / 13 ) ، والترمذي في سننه : كتاب العلم ( 5 / 44 ) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .
(4) النهاية في غريب الحديث ( 5 / 254 ) .
(5) صرح بنحوه ابن القيم في المنار المنيف ( 148 ) إذ قال : هذه الأحاديث أربعة أقسام : صحاح وحسان ، وغرائب ، وموضوعة ، وكذا قال الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ص ( 42 ) .
(1/92)
________________________________________
وهو من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبناء فاطمة - رضي الله عنها - وعلى خده شامة كأنها كوكب دري .
(1/93)
________________________________________
المسألة الثانية : اسمه واسم أبيه ونسبه
اسم المهدي ( محمد ) ، واسم أبيه ( عبد الله ) .
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني - أو من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض . . . » الحديث .
وفي رواية أخرى : « لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » .
وفي رواية أخرى : « يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » ، قال : وقال أبو هريرة : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي . . . » (1) .
وأما نسبه : فالروايات الكثيرة تبين لنا أنه من ولد فاطمة البتول ، ابنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام - رضي الله عنها - وعن أولادها الطاهرين .
عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « المهدي من عترتي (2) من ولد فاطمة » (3) .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة » (4) .
_________
(1) أخرجه أبو داود في سننه : كتاب المهدي ( 4 / 151 ) ، والترمذي في سننه : كتاب الفتن ( 9 / 74 ) وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وذكر الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في منهاج السنة ( 4 / 211 ) وأشار إلى صحته .
(2) قال الخطابي : العترة : ولد الرجل لصلبه ، ويكون العترة للأقرباء وبني العمومة ، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه يوم السقيفة : نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم . معالم السنن ( 4 / 474 ) .
(3) أخرجه أبو داود في سننه : كتاب المهدي ( 4 / 474 ) ، وابن ماجه في سننه : كتاب الفتن ( 2 / 1368 ) ، والحاكم في المستدرك ( 4 / 557 ) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 2 / 140 ) .
(4) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 1 / 84 ) وابن ماجه في سننه : كتاب الفتن ( 2 / 1367 ) . ومعنى يصلحه الله في ليلة : يتوب عليه ويوفقه ويلهمه رشده بعد أن لم يكن كذلك ، النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير ( 1 / 55 ) .
(1/94)
________________________________________
فهذه الأخبار كلها تؤكد أن المهدي من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من ولد فاطمة الزهراء ، وهذا ما عليه جماهير الأمة ، فلا يسوغ العدول عنه ولا الالتفات إلى غيره من الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في المهدي : وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه (1) .
_________
(1) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 31 ) .
(1/95)
________________________________________
المسألة الثالثة : صفة المهدي
من صفات المهدي الواردة في السنة ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المهدي مني ، أجلى الجبهة (1) ، أقنى الأنف (2) ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما ، ويملك سبع سنين » (3) .
ومن الأمور الدالة عليه ، أنه يخرج في زمان ساد فيه الجور والظلم ، فيقيم هو بأمر الله العدل والحق ، ويمنع الظلم والجور ، وينشر الله به لواء الخير على الأمة ، حيث يسقيه الله الغيث فتمطر السماء كثيرا لا تدخر شيئا من قطرها ، وتؤتي الأرض أكلها لا تدخر عن الناس شيئا من نباتها ، وتكثر المواشي بسبب الخيرات ، ويفيض المال فيقسمه بين الناس بالسوية . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يخرج في آخر أمتي المهدي ، يسقيه الله الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطي المال صحاحا ، وتكثر الماشية ، وتعظم الأمة ، يعيش سبعا ، أو ثمانيا ، يعني حججا » (4) .
_________
(1) ( أجلى الجبهة ) : الأجلى : الخفيف الشعر ما بين النزعتين من الصدغين ، والذي انحسر الشعر عن جبهته : النهاية في غريب الحديث ( 1 / 290 ) .
(2) ( أقنى الأنف ) : القنا في الأنف : طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه . النهاية في غريب الحديث ( 4 / 116 ) .
(3) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 3 / 17 ) وأبو داود برقم ( 4285 ) في المهدي ، والحاكم في المستدرك ( 4 / 557 ) ، وقد أشار الشيخ الألباني إلى صحته في تخريج المشكاة برقم ( 5454 ).
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك ( 4 / 557 - 558 ) وقال : حديث حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، والحديث أورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة ( 2 / 336 ) ، وقال : هذا سند صحيح ، رجاله ثقات .