________________________________________
المسألة الخامسة : الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره
ذكر بعض العلماء - رحمهم الله تعالى - الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره ، ومن أقوالهم في ذلك :
1 - الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوا عيسى عليه السلام ، فبين الله تعالى كذبهم ، وأنه الذي يقتلهم ويقتل رئيسهم الدجال ، ورجح الحافظ ابن حجر هذا القول على غيره (1) .
2 - أن عيسى عليه السلام وجد في الإنجيل فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى : { وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ } (2) فدعا الله أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل آخر الزمان مجددا لما درس من دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة والسلام ، فتوافق خروج الدجال فيقتله (3) .
3 - أن نزول عيسى عليه السلام من السماء لدنو أجله ليدفن في الأرض ؛ إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها ، فيوافق نزوله خروج الدجال فيقتله عيسى عليه السلام (4) .
4 - أنه ينزل مكذبا للنصارى فيظهر زيفهم في دعواهم الأباطيل ، ويهلك الله الملل كلها في زمنه إلا الإسلام فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية .
_________
(1) فتح الباري 6 / 493 .
(2) سورة الفتح ، الآية : 29.
(3) التذكرة للقرطبي ( 2 / 794 ) .
(4) التذكرة للقرطبي ( 2 / 795 ) .
(1/161)
________________________________________
5 - أن خصوصيته بهذه الأمور المذكورة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ، ليس بيني وبينه نبي » (1) فرسول الله صلى الله عليه وسلم أخص الناس وأقربهم إليه ، فإن عيسى مبشر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي من بعده ودعا الخلق إلى تصديقه والإيمان به (2) . كما في قوله تعالى : { وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } (3) ، وفي الحديث : « قالوا يا رسول الله أخبرنا عن نفسك ، قال : " نعم ، أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى » (4)
_________
(1) صحيح البخاري في صحيحه : 6 / 477 - 478 ، كتاب أحاديث الأنبياء ( 6 / 477 ) ، ومسلم في صحيحه : كتاب الفضائل ( 4 / 1837 ) .
(2) انظر هذه الأقوال في المنهاج في شعب الإيمان ( 1 / 424 - 425 ) للحليمي ، والتذكرة للقرطبي ( 2 / 679 ) ، وفتح الباري لابن حجر ( 6 / 493 ) ، وكتاب التصريح بما تواتر في نزول المسيح ص ( 94 ) .
(3) سورة الصف ، الآية : 6 .
(4) رواه الإمام أحمد في مسنده ( 4 / 127 ) ، قال ابن كثير عن إسناده : « هذا إسناد جيد » ، وروى له شواهد من وجوه أخر ، تفسير ابن كثير : ( 4 / 324 ) .
(1/162)
________________________________________
المسألة السادسة : الأمور التي تكون في زمن عيسى عليه السلام
1 - قتل المسيح الدجال :
سبق ذكر أن نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل والمسلمون في حال إعداد أنفسهم لحرب الدجال ، وعلمنا أن الصلاة تقام في ذلك الوقت ، فيصلي عيسى ابن مريم عليه السلام خلف الرجل الصالح ، وعند ما يعلم الدجال بنزول عيسى عليه السلام يهرب ، فيلحقه نبي الله إلى بيت المقدس فيدركه وقد حاصر عصابة من المسلمين ، فيأمرهم عيسى عليه السلام بفتح الباب فيفعلون ويكون وراءه الدجال فينطلق هاربا ، فيلحقه نبي الله عليه السلام فيدركه عند باب لد الشرقي فيقضي عليه وعلى من معه من يهود .
(1/163)
________________________________________
ففي الحديث الصحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح ، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح ، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى ، فيضع عيسى يده بين كتفيه ، ثم يقول له : تقدم فصل ، فإنها لك أقيمت ، فيصلي بهم إمامهم ، فإذا انصرف قال عيسى : افتحوا الباب ، فيفتحون ووراءه الدجال ، معه سبعون ألف يهودي ، كلهم ذو سيف محلى وساج ، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء ، وينطلق هاربا ، فيقول عيسى عليه السلام : إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها ، فيدركه عند باب لد الشرقي ، فيقتله ، فيهزم الله اليهود ، فلا يبقى شيء مما خلق الله عز وجل ليتوارى به يهودي إلا أنطق ذلك الشيء ، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة ، فإنها من شجرهم لا تنطق ، إلا قال : يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله . . . » (1) .
_________
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه : كتاب الفتن ( 2 / 1361 ) ، والحاكم في المستدرك ( 4 / 436 ) ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .
(1/164)
________________________________________
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « . . . فبينما هم يعدون للقتال ويسوون الصفوف ، إذ أقيمت الصلاة ، فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لانذاب حتى يهلك ، ولكنه يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته » (1) " .
وهكذا يكون أول عمل يقوم به نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام بعد نزوله من السماء هو مواجهة الدجال والقضاء عليه وعلى من يتبعه من يهود .
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الفتن وأشراط الساعة ( 4 / 2253 ) .
(1/165)
________________________________________
2 - هلاك يأجوج ومأجوج :
إن خروج قوم يأجوج ومأجوج علامة من علامات الساعة الكبرى ، وسيأتي الكلام على هذه العلامة ، والمراد هنا بيان أن عيسى عليه السلام بعد أن يقضي على الدجال وفتنته ، يفسد هؤلاء القوم في الأرض فسادا كبيرا ، فيتضرع نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله تعالى فيهلكهم شر هلكة ، ويصبحون موتى لا يبقى منهم أحد ، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله في الكلام على يأجوج ومأجوج .