المطلب السادس : خروج الدابة
من أشراط الساعة الكبرى خروج دابة من الأرض في آخر الزمان تكلم الناس وتسميهم مؤمنا وكافرا ، وذلك عند فساد الناس وتركهم أوامر الله تعالى .
والكلام على هذه العلامة يشتمل على المسائل التالية :
المسألة الأولى : الأدلة على خروجها من الكتاب والسنة
قال تعالى : { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ } (1) .
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن معنى تكلمهم : تجرحهم ، بمعنى تكتب على جبين الكافر كافرا ، وعلى جبين المؤمن مؤمنا . وروي عنه أيضا بمعنى تخاطبهم .
قال الحافظ ابن كثير : " هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق . يخرج الله لهم دابة من الأرض فتكلم الناس على ذلك " (2) .
وقال الألوسي (3) : " أي تكلمهم بأنهم لا يتيقنون بآيات الله تعالى الناطقة بمجيء الساعة ومباديها أو بجميع آياته التي من جملتها تلك الآيات " (4) .
وأما الأدلة من السنة :
_________
(1) سورة النمل ، آية : 82 .
(2) انظر : تفسير ابن كثير ( 3 / 351 ) .
(3) هو العلامة محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي ، شهاب الدين أبو الثناء ، ولد في بغداد سنة 1217هـ ، من كبار المفسرين ، له مؤلفات مفيدة منها ( روح المعاني ، ودقائق التفسير ) ، توفي سنة 1270 هـ . الأعلام ( 7 / 176 ) ، جلاء العينين ص ( 27 ، 28 ) .
(4) انظر : روح المعاني ( 6 / 314 ) .
(1/198)
________________________________________
فمنها حديث أبي أمامة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثم تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير ، فيقال : ممن اشتريت ؟ فيقول اشتريته من أحد المخطمين » (1) .
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بادروا بالأعمال ستا : الدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأمر العامة ، وخويصة (2) أحدكم » (3) .
ومنها حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال : « اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر ، فقال : " ما تذاكرون " ؟ : قالوا : نذكر الساعة قال : " إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ابن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم » (4) .
_________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 5 / 268 ) ، وقال الهيثمي في المجمع ( 8 / 6 ) : رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح غير عمر بن عبد الرحمن بن عطية ، وهو ثقة .
(2) « خويصة أحدكم » أي : الواقعة التي تخص أحدكم ، يريد حادثة الموت التي تخص كل إنسان ، وهي تصغير خاصة ، وصغرت لاحتقارها في جنب ما بعدها من البعث والعرض والحساب . النهاية في غريب الحديث ( 2 / 37 ) .
(3) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه : كتاب الفتن وأشراط الساعة ( 4 / 2267 ) .
(4) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه : كتاب الفتن وأشراط الساعة ( 4 / 2226 ) .
(1/199)
________________________________________
ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : « حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد ، سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى ، وأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا » (1) .
_________
(1) تقدم تخريجه ص 142 .
(1/200)
________________________________________
المسألة الثانية : صفة الدابة
اختلف العلماء في صفة الدابة إلى عدة أقوال :
القول الأول : أنها فصيل ناقة صالح ، قال القرطبي : " أولى الأقوال أنها فصيل ناقة صالح وهو أصحها ، والله أعلم " (1) ، واستدل بحديث أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال : « ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال : " لها ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم تكمن زمنا طويلا ، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية ، ويدخل ذكرها القرية ، يعني مكة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض رأسها عن التراب فتركض الناس منها شتى ومعا ، وتثبت عصابة من المؤمنين عرفوا أنهم لم يعجزوا الله فبدأت بهم ، فجلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري ، وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه ، فتقول : يا فلان : الآن تصلي !؟ فتقبل عليه فتسمه في وجهه . . . » (2) .
_________
(1) تفسير القرطبي ( 13 / 235 ) .
(2) منحة المعبود ترتيب مسند الطيالسي ( 2 / 220 ) ، وأخرجه الحاكم ( 4 / 484 ) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، وهو أبين حديث في ذكر دابة الأرض ولم يخرجاه ، وتعقبه الذهبي بقوله : ( تركه أحمد ) ، ويقصد الذهبي طلحة بن عمرو الحضرمي ، وهو رجل ضعيف في سند الطيالسي والحاكم ، قال عنه ابن معين : ليس بشيء ، ضعيف . انظر : تهذيب التهذيب ( 5 / 23 ، 54 ) .
(1/201)
________________________________________
ووجه الدلالة من هذا الحديث قوله : وهي ترغو والرغاء للإبل . وقال القرطبي في التذكرة : " وقد قيل إن الدابة التي تخرج هي الفصيل الذي كان لناقة صالح عليه السلام ، فلما قتلت الناقة هرب الفصيل بنفسه فانفتح له الحجر فدخل فيه ثم انطبق عليه ، فهو فيه إلى وقت خروجه ، حتى يخرج بإذن الله تعالى ، ويدل على هذا القول حديث حذيفة . . . " ، ولقد أحسن من قال :
واذكر خروج فصيل ناقة صالح ... يسم الورى بالكفر والإيمان (1)
القول الثاني : أنها دابة جمعت من خلق كل حيوان .
_________
(1) التذكرة ( 2 / 822 ).
(1/202)
________________________________________
القول الثالث : أنها إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم حتى يتبين الصادق من الكاذب فيحيا من حيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة ، وقد رد القرطبي - رحمه الله تعالى - على هذا القول وبين أنه قول فاسد مخالف لظاهر الآية والأحاديث الصحيحة فقال - رحمه الله - : " وإنما كان هذا القائل الأقرب لقوله تعالى : { تُكَلِّمُهُمْ } ، وعلى هذا فلا يكون في هذه الدابة آية خاصة خارقة للعادة ، ولا تكون من العشر آيات المذكورة في الحديث ؛ لأن وجود المناظرين والمحتجين على أهل البدع كثير ، فلا آية خاصة بها ، فلا ينبغي أن تذكر مع العشر ، وترتفع خصوصية وجودها إذا وقع القول ، ثم فيه العدول عن تسمية هذا الإنسان المناظر الفاضل العالم الذي على أهل الأرض أن يسموه باسم الإنسان أو بالعالم أو بالإمام إلى أن يسمى بدابة ، وهذا خروج عن عادة الفصحاء ، وعن تعظيم العلماء ، وليس ذلك دأب العقلاء ، فالأولى ما قاله أهل التفسير ، والله أعلم بحقائق الأمور " (1) .
القول الرابع : أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة (2) .
_________
(1) تفسير القرطبي ( 13 / 236 ) ، والتذكرة له ( 2 / 818 ) .
(2) التذكرة للقرطبي ( 2 / 236 ) ، فتح القدير للشوكاني ( 4 / 151 ) .