المسألة السادسة : أقسام الناس في المهدي
انقسم الناس في أمر المهدي إلى طرفين ووسط :
1 - أما المذهب الوسط : فهو معتقد أهل السنة والجماعة الذين يثبتون خروج المهدي على ما دلت عليه النصوص الثابتة التي ذكر فيها اسمه واسم أبيه ونسبه وصفاته وأنه خليفة راشد ومصلح يظهر في آخر الزمان يؤيده الله ويصلح به العباد والبلاد .
يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله - حينما تكلم عن أقسام الناس في المهدي عن معتقد أهل السنة والجماعة : " القول الثالث : أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن بن علي ، يخرج في آخر الزمان ، وقد امتلأت الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا ، وأكثر الأحاديث على هذا تدل (1) " .
وقد سبق ذكر الأدلة التي تدل على خروجه وجملة من أقوال أهل العلم التي تبين معتقد أهل السنة والجماعة في المهدي .
_________
(1) المنار المنيف ص ( 148 ) .
(1/109)
________________________________________
2 - وأما الطرف الأول : فهم الذين ينكرون خروج المهدي قديما وحديثا من الذين ليس لهم خبرة بالنصوص وأقوال أهل العلم ، تمشيا مع مذهبهم الباطل في نفي الأمور الغيبية التي لا تدركها عقولهم ولا توافق أهواءهم ويقولون : إن المهدي أسطورة وخرافة دخلت على أهل السنة من جهة الشيعة ، ويقولون أيضا : إن الأحاديث الواردة فيه بعضها باطل والبعض الآخر متناقض .
وقد رد العلماء على هؤلاء وبينوا فساد قولهم ومخالفته لما ثبت في النصوص الصحيحة .
ومن أجمل الردود في هذا الباب ما كتبه فضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد - حفظه الله - في رسالته : الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي ، وما كتبه فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله بن حمد التويجري - رحمه الله - في كتابه الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر .
(1/110)
________________________________________
يقول شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله - : " أما الجواب عن السؤال الثاني فهو أني لم أقف على تسمية أحد في الماضين أنكر أحاديث المهدي أو تردد فيها سوى رجلين اثنين ، أما أحدهما فهو أبو محمد بن الوليد البغدادي الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ، وقد مضى حكاية كلام شيخ الإسلام عنه وأنه قد اعتمد على حديث : « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » ، وقال ابن تيمية : وليس مما يعتمد عليه لضعفه ، انتهى ، وسبق في أثناء كلام الذين نقلت عنهم أنه لو صح هذا الحديث فالجمع بينه وبين أحاديث المهدي ممكن . ولم أقف على ترجمة لأبي محمد المذكور .
(1/111)
________________________________________
وأما الثاني : فهو عبد الرحمن بن خلدون المغربي المؤرخ المشهور ، وهو الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيفه أحاديث المهدي ، وقد رجعت إلى كلامه في مقدمة تاريخه فظهر لي منه التردد لا الجزم بالإنكار ، وعلى كل حال فإنكارها أو التردد في التصديق بما دلت عليه شذوذ عن الحق ونكوب عن الجادة المطروقة ، وقد تعقبه الشيخ صديق حسن في كتابه الإذاعة حيث قال : " لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام ؛ لما تواتر من الأخبار في الباب واتفق عليه جمهور الأمة خلفا عن سلف إلا من لا يعتد بخلافه " وقال : " لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود والمنتظر المدلول عليه بالأدلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر " (1) انتهى .
ولعل المنكرين في عصرنا الحاضر للمهدي متأثرون بهذين الرجلين .
_________
(1) وانظر عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر ص ( 210 ، 211 ) .
(1/112)
________________________________________
3 - وأما الطرف الثالث : فهم من يغالي في أمر المهدي من الطوائف الضالة حتى ادعت كل طائفة منهم أن زعيمهم هو المهدي المنتظر ، وقد أشار الحافظ ابن القيم - رحمه الله - إلى هؤلاء بقوله : وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر ، من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن ، الحاضر في الأمصار ، الغائب عن الأبصار ، الذي يورث العصا ، ويختم الفضا ، دخل سرداب سامراء طفلا صغيرا من أكثر من خمسمائة سنة ، فلم تره بعد ذلك عين ، ولم يحس فيه بخبر ولا أثر ، وهم ينتظرونه كل يوم !! يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم : اخرج يا مولانا ، اخرج يا مولانا ، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان ، فهذا دأبهم ودأبه ، ولقد أحسن من قال :
ما آن للسرداب أن يلد الذي ... كلمتموه بجهلكم ما آنا ؟
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا
ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم ، وضحكة يسخر منهم كل عاقل (1) .
_________
(1) المنار المنيف ص ( 152 ) .
(1/113)
________________________________________
وبهذا يتبين أنه لا يلتفت إلى ضعف مَن ضعَّف أحاديث المهدي أو كذب بها ممن ليس من فرسان هذا العلم ولا يعتد بخلافه . وأما الذين أنكروا خروج المهدي في آخر الزمان وأنه لا مهدي سوى عيسى ابن مريم احتجاجا بحديث : « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » (1) ، فإن هذا الحديث لا تقوم به حجة ؛ لأنه حديث ضعيف ومداره على محمد بن خالد الجندي وهو رجل ضعيف .
قال القرطبي : " قيل إن هذا الحديث لا يصح لأنه انفرد بروايته محمد بن خالد الجندي ، قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ الجندي هذا مجهول ، واختلف عليه في إسناده . . . والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه " (2) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الحديث الذي فيه « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » رواه ابن ماجه وهو حديث ضعيف ، رواه عن يونس عن الشافعي عن شيخ مجهول من أهل اليمن لا تقوم بإسناده حجة " (3) .
وقال الحافظ الذهبي في ترجمة محمد بن خالد الجندي : قال الأزدي : منكر الحديث ، وقال أبو عبد الله الحاكم : مجهول .
_________
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه ( 2 / 1340 ) ، والحاكم في المستدرك ( 4 / 442 ) وقال : فذكرت ما انتهى إلي من علة هذا الحديث تعجبا لا محتجا به في المستدرك على الشيخين - رضي الله عنهما - فإن أولى من هذا الحديث ذكره في هذا الموضع حديث سفيان الثوري . . . عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما » .
(2) التذكرة ( 2 / 723 ) .
(3) منهاج السنة النبوية ( 4 / 211 ) .
(1/114)
________________________________________
قلت : - القائل الذهبي - حديثه : « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » ، وهو خبر منكر أخرجه ابن ماجه .
وقال الحافظ الذهبي أيضا : " فأما حديث « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » فضعيف ، فلا يعارض هذا الأحاديث (1) .
فهذا الحديث الضعيف لا يعارض به الأحاديث الصحيحة الثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في شأن المهدي ، وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه كما قال الإمام القرطبي : يحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام : « ولا مهدي إلا عيسى » : أي لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى ، وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض (2) ، ويقول العلامة ابن قيم الجوزية : ولو صح لم يكن فيه حجة ؛ لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الساعة ، وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، وحكمه بكتاب الله ، وقتله اليهود والنصارى ، ووضعه الجزية ، وإهلاك أهل الملل في زمانه ، فيصح أن يقال : لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهديا ، كما يقال : لا علم إلا ما نفع ، ولا مال إلا ما وقى وجه صاحبه ، وكما يصح أن يقال : إنما المهدي عيسى ابن مريم ، يعني المهدي الكامل المعصوم " (3) .
_________
(1) ميزان الاعتدال ( 3 / 535 ) .
(2) التذكرة ( 2 / 723 ) .
(3) المنار المنيف ( 148 ) .
(1/115)
________________________________________
ويقول الحافظ ابن كثير : " وعند التأمل لا يتنافيان ، بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حقا هو عيسى ابن مريم ، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا ، والله أعلم " (1) .
_________
(1) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 58 ) .