المطلب الثاني : فتنة المسيح الدجال
لفظ الدجال على وزن فعال بفتح أوله والتشديد من الدجل وهو التغطية ، وأصل الدجل معناه : الخلط ، يقال : دجل إذا لبس وموه ، وجمع دجال : دجالون ، ودجاجلة .
وسمي الدجال دجالا ؛ لأنه يغطي الحق بباطله ، أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم (1) .
المراد بالدجال هنا : الدجال الأكبر الذي يخرج قبيل قيام الساعة في زمن المهدي وعيسى عليه السلام .
وخروجه من الأشراط العظيمة المؤذنة بقيام الساعة ، وفتنته من أعظم الفتن والمحن التي تمر على الناس ، ويسمى مسيحا ؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يوما ، ولفظة المسيح تطلق على الصديق ، وهو عيسى عليه السلام ، وعلى الضليل الكذاب وهو الأعور الدجال (2) .
قال القرطبي : " واختلف في لفظة المسيح لغة على ثلاثة وعشرين قولا ، ذكرها الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه مجمع البحرين ، وقال : لم أر من جمعها قبلي ممن رحل وجال ولقي الرجال " (3) .
_________
(1) انظر : النهاية في غريب الحديث : ( 2 / 102 ) ، ولسان العرب ( 11 / 236 ) ، وفتح الباري لابن حجر ( 2 / 318 ) .
(2) انظر : النهاية في غريب الحديث : ( 4 / 326 ) ، ولسان العرب ( 2 / 594 ) .
(3) التذكرة للقرطبي : ( 2 / 679 - 683 ) .
(1/117)
________________________________________
والمقصود بالمسيح هنا مسيح الضلالة الذي يفتن الناس بما يجري على يديه من الآيات ، كإنزال المطر وإحياء الأرض ، وبما يظهر على يديه من عجائب وخوارق للعادات ، وأما مسيح الهدى فهو عيسى ابن مريم عليه السلام الذي سيأتي الكلام عليه .
وقد تواترت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر خروج الدجال في آخر الزمان والتحذير منه ، حيث وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وصفا دقيقا لا يخفى على ذي بصيرة ، كما حذر منه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله أممهم ووصفوه لهم أوصافا ظاهرة .
ومن الأحاديث الواردة في ذلك حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : « قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال فقال : " إني لأنذركموه ، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه ، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه ، إنه أعور ، وان الله ليس بأعور » (1) .
_________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الفتن ، ( 8 / 103 ) ومسلم في صحيحه : كتاب الفتن وأشراط الساعة ، ( 4 / 2248 ) .
(1/118)
________________________________________
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم عن الدجال حديثا ما حدثه نبي قومه ؟ إنه أعور ، وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار ، فالتي يقول إنها الجنة هي النار ، وإني أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه » (1) .
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوما بين ظهراني الناس الدجال فقال : " إن الله تعالى ليس بأعور ، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية » (2) " (3) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : « حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما يحدثنا به أنه قال : " يأتي الدجال ، وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة ، فينتهي إلى بعض السباخ (4) التي تلي المدينة ، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس - أو من خير الناس - فيقول له : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه ، فيقول الدجال : أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته ، أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا ، فيقتله ثم يحييه ، فيقول : والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم الآن ، قال : فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه » (5)
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الفتن وأشراط الساعة ( 4 / 2250 ) .
(2) قال الخطابي : « كان هذا الحديث عندي من الواضح الذي يستغنى بظاهره عن تفسيره ، وقد بقيت زمانا أحسبه أراد بالعنبة الطافية : الحبة من العنب تطفو على متن الماء ، وذلك لأن الحدقة العوراء القائمة في المقلة الناتئة من أشبه شيء بها ، حتى أخبرني مخبر عن أبي عمر صاحبنا قال : سئل أبو العباس ثعلب عن هذا القول فقال : الطافية : العنبة التي خرجت عن حد نبتة أخواتها ، فعلت ونتأت وظهرت ، يقال . طفا الشيء : إذا علا وظهر . غريب الحديث للخطابي ( 1 / 667 ) .
(3) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الفتن وأشراط الساعة ( 4 / 2250 ) .
(4) السباخ : بكسر المهملة جمع سبخة محركة ومسكنة ، وهي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر ، النهاية في غريب الحديث ( 2 / 333 ) .
(5) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الفتن ، ( 8 / 102 ) ، ومسلم في صحيحه : كتاب الفتن وأشراط الساعة ( 4 / 2256 ) ، واللفظ لمسلم .
(1/119)
________________________________________
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما بعث نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، ومكتوب (1) بين عينيه ك . ف . ر » (2) .
_________
(1) قال الإمام النووي - رحمه الله - : والصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها ، وأنها كتابة حقيقية جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله ، ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب ، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته ، ولا امتناع في ذلك . شرح صحيح مسلم للنووي: ( 18 / 60 ) .
(2) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الفتن - ( 8 / 103 ) ، ومسلم في صحيحه : كتاب الفتن وأشراط الساعة ( 4 / 2248 ) .